Maharat-RT

Posted by: رهف الترزي

لا تجبر طفلك على التواصل البصري: استراتيجيات ABA لتعزيز التواصل لدى الأطفال ذوي اضطرابات التوحد والتواصل

مقدمة

التواصل البصري هو أحد السلوكيات الاجتماعية المهمة التي تساعد على التفاعل مع الآخرين وفهم المشاعر والإشارات غير اللفظية. ومع ذلك، فإن العديد من الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد (ASD) يعانون من صعوبات في التواصل البصري، حيث قد يتجنبون النظر في عيون الآخرين أو يشعرون بعدم الارتياح عند محاولة إجبارهم على ذلك.

في حين أن بعض الأهالي والمعلمين يعتقدون أن إجبار الطفل على التواصل البصري هو الحل لتحسين مهاراته الاجتماعية، إلا أن الدراسات أثبتت أن ذلك قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مثل زيادة القلق والتوتر لدى الطفل، بل وحتى تجنب التفاعل تمامًا. لهذا السبب، يعتمد تحليل السلوك التطبيقي (ABA) على استراتيجيات مدروسة تساعد على تحسين التواصل دون الضغط على الطفل، مما يسمح له بالتفاعل بشكل مريح وفقًا لإمكاناته.

 

لماذا يتجنب الأطفال التوحديون التواصل البصري؟

هناك عدة أسباب تجعل الأطفال المصابين بالتوحد يتجنبون النظر في العيون أثناء التواصل، منها:

1. التحفيز الحسي الزائد: بعض الأطفال يجدون أن النظر إلى العيون مزعج أو مربك بسبب فرط حساسية الدماغ للمنبهات البصرية.

2. الصعوبة في المعالجة الحسية: يعاني بعض الأطفال من صعوبة في معالجة الإشارات البصرية والسمعية معًا، مما يجعلهم يركزون على الصوت بدلاً من النظر إلى العينين.

3. التوتر والقلق: النظر المباشر إلى شخص آخر قد يسبب شعورًا بالتهديد أو عدم الارتياح، مما يجعل الطفل يتجنب ذلك.

4. عدم فهم أهمية التواصل البصري: قد لا يدرك الطفل أن التواصل البصري جزء من التفاعل الاجتماعي، وبالتالي لا يرى سببًا لاستخدامه.

5. أساليب التفاعل المختلفة: بعض الأطفال يفضلون استخدام وسائل أخرى مثل الإيماءات أو التواصل البديل بدلاً من النظر المباشر.

 

استراتيجيات ABA لتعزيز التواصل دون إجبار الطفل على النظر المباشر

يهدف تحليل السلوك التطبيقي (ABA) إلى تعزيز مهارات التواصل بطريقة طبيعية ومريحة للطفل، بدلاً من إجباره على النظر المباشر إلى العينين. فيما يلي 10 استراتيجيات فعالة يمكن استخدامها مع الأطفال المصابين بالتوحد لتحسين مهارات التواصل لديهم دون إجبار:

1. استخدام التعزيز الإيجابي (Positive Reinforcement)

عندما يحاول الطفل النظر ولو للحظات قصيرة، يمكن مكافأته بتعزيز إيجابي مثل مدح لفظي، ملصقات، أو لعبة يحبها.

الهدف ليس إجباره، ولكن تشجيعه على التواصل البصري بطريقة ممتعة.

مثال:
إذا نظر الطفل إليك للحظة أثناء حديثك معه، قولي له: “أحسنت! لقد نظرت إليّ، هذا رائع!” ثم قدمي له مكافأة صغيرة.

2. تعليم الطفل التفاعل باستخدام الأنشطة الممتعة

يمكن دمج التواصل البصري في أنشطة يحبها الطفل، مثل اللعب بالمكعبات أو النفخ على الفقاعات.

أثناء اللعب، يمكن الانتظار قليلاً قبل الاستمرار حتى ينظر الطفل إلى الوجه أو يشير إلى رغبته في الاستمرار.

مثال:
إذا كان الطفل يحب نفخ الفقاعات، أمسكي باللعبة وانتظري لحظة قبل النفخ، إذا نظر إليكِ أو أظهر تفاعلًا، قومي بالنفخ كمكافأة.

3. تقديم البدائل للتواصل البصري

بعض الأطفال قد لا يكونون مرتاحين للنظر المباشر في العيون، لكن يمكنهم التواصل من خلال النظر إلى الفم أو اليدين أثناء التحدث.

يمكن استخدام هذه البدائل كمرحلة أولى، ثم تطويرها تدريجيًا.

مثال:
بدلاً من قول “انظر إليّ!”، يمكن توجيه الطفل للنظر إلى وجه المتحدث عمومًا وليس فقط إلى العينين.

4. استخدام القصص الاجتماعية (Social Stories)

تساعد القصص المصورة على تعليم الأطفال أهمية التواصل البصري بطريقة غير مباشرة، من خلال عرض مواقف اجتماعية مألوفة.

يمكن أن تتضمن القصة شخصًا يتفاعل مع الآخرين بطريقة طبيعية دون إجبار.

مثال:
استخدام قصة تحتوي على شخص يقول: “عندما يتحدث إليّ صديقي، أستطيع النظر إلى وجهه أو رأسه لأريه أنني أستمع إليه.”

5. ممارسة ألعاب تقليد الوجه (Mirror Games)

يمكن استخدام ألعاب مرحة حيث يقلد الطفل تعابير الوجه، مما يشجعه على النظر إلى وجه الشخص الآخر دون ضغط.

تساعد هذه الطريقة على تطوير التفاعل البصري بطريقة طبيعية.

مثال:
اللعب أمام المرآة بتمثيل مشاعر مختلفة، مثل الفرح أو الحزن، ودعوة الطفل لتقليدها.

6. توفير بيئة مريحة وآمنة

يجب تجنب البيئات المليئة بالمحفزات التي قد تسبب للطفل إجهادًا حسيًا، مثل الأماكن الصاخبة أو الأضواء الساطعة.

توفير بيئة هادئة يساعد الطفل على الشعور بالراحة أثناء التفاعل.

مثال:
إذا كان طفلكِ يواجه صعوبة في التواصل البصري في بيئة مزدحمة، حاولي التحدث معه في غرفة هادئة أولاً.

7. التدرج في التدريب (Shaping)

بدلاً من مطالبة الطفل بالنظر المباشر، يمكن البدء بـ الانتباه إلى الوجه بالكامل ثم تطوير مهارة النظر التدريجي بمرور الوقت.

الهدف هو جعل التواصل البصري عادة طبيعية دون إجبار.

مثال:
في البداية، يمكن مكافأة الطفل عندما ينظر إلى الوجه عمومًا، ثم تقليل المسافة تدريجيًا.

8. استخدام الإشارات غير اللفظية

بعض الأطفال يجدون التواصل اللفظي صعبًا، لذا يمكن استخدام الإشارات والإيماءات لمساعدتهم على فهم التفاعل البصري.

الإشارة إلى شيء أثناء الحديث قد يشجع الطفل على التفاعل البصري دون ضغوط.

مثال:
أثناء القراءة، يمكن الإشارة إلى الصور في الكتاب، مما يشجع الطفل على النظر إلى نفس النقطة مع الشخص المتحدث.

9. تطبيق تقنية الانتظار (Pause & Wait)

عندما يتحدث الطفل، يمكن التوقف عن الاستجابة للحظة قصيرة بانتظار تفاعل بصري منه، مما يشجعه على الانتباه للمتحدث.

هذه الطريقة تعمل بشكل فعال إذا تم تنفيذها بطريقة غير ملحوظة.

مثال:
إذا طلب الطفل لعبة دون النظر إليكِ، انتظري قليلاً دون إعطائها له حتى ينظر أو يشير إليكِ، ثم قدميها له فورًا.

10. تجنب الضغط أو العقاب

لا ينبغي معاقبة الطفل إذا لم يستطع النظر إلى العينين، لأن ذلك قد يزيد من توتره ويجعله يتجنب التفاعل.

بدلاً من ذلك، يجب التركيز على خلق بيئة آمنة ومحفزة تساعده على التعلم وفق وتيرته الخاصة.

مثال:
بدلاً من قول “انظر إليّ عندما أتحدث!”، يمكن قول: “أنا هنا لأساعدك، هل يمكنك أن تنظر إليّ للحظة إذا كنت مستعدًا؟”

 

خاتمة

التواصل البصري مهارة مهمة لكنها ليست إلزامية، خاصة للأطفال المصابين بالتوحد. إجبار الطفل على النظر في العيون قد يكون مربكًا ومجهدًا له، مما يؤدي إلى نتائج عكسية. بدلاً من ذلك، يمكن استخدام استراتيجيات ABA لتعزيز التواصل بطريقة طبيعية دون ضغط، مما يساعد الطفل على التفاعل بثقة وراحة.

رسالة للأهالي:

لا تقلقي إذا كان طفلكِ لا ينظر في عيون الآخرين، فالتواصل لا يعتمد فقط على النظر المباشر. كل طفل يتطور بطريقته الخاصة، وبالقليل من الصبر والدعم، يمكنه تحسين مهاراته الاجتماعية بمرور الوقت.